الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
ويستحب لأهل الثغر أن يجتمعوا في المسجد الأعظم لصلواتهم كلها, ليكون أجمع لهم وإذا حضر النفير صادفهم مجتمعين فيبلغ الخبر جميعهم, وإن جاء خبر يحتاجون إلى سماعه أو أمر يراد إعلامهم به يعلمونه, ويراهم عين الكفار فيعلم كثرتهم فيخوف بهم قال أحمد: إن كانوا متفرقين يرى الجاسوس قلتهم قال: وبلغني عن الأوزاعي أنه قال في المساجد التي بالثغر: لو أن لي عليها ولاية, لسمرت أبوابها ـ ولم يقل: لخربتها ـ حتى تكون صلاتهم في موضع واحد حتى إذا جاء النفير وهم متفرقون لم يكونوا مثلهم إذا كانوا في موضع واحد. وفي الحرس في سبيل الله فضل كبير قال ابن عباس: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله, وعين باتت تحرس في سبيل الله) رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (رحم الله حارس الحرس) وعن سهل بن الحنظلية (أنهم ساروا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان عشية, قال: من يحرسنا الليلة؟) قال أنس بن أبي مرثد الغنوي: أنا يا رسول الله قال: " فاركب " فركب فرسا له وجاء إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال له: " استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه, ولا أغرن من قبلك الليلة " فلما أصبحنا جاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى مصلاه فركع ركعتين, ثم قال: " هل أحسستم فارسكم الليلة؟ قالوا: لا فثوب بالصلاة فجعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلي وهو يلتفت إلى الشعب حتى إذا قضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلاته وسلم, قال: " أبشروا قد جاءكم فارسكم " فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما أصبحت اطلعت الشعبين كليهما, فنظرت فلم أر أحدا فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " هل نزلت الليلة؟ " قال: لا إلا مصليا أو قاضيا حاجة فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (قد أوجبت, فلا عليك أن لا تعمل بعدها) رواه أبو داود وعن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة قيام ليلها, وصيام نهارها) رواه ابن سنجر. [وإذا كان أبواه مسلمين لم يجاهد تطوعا إلا بإذنهما] روى نحو هذا عن عمر وعثمان وبه قال مالك, والأوزاعي والثوري والشافعي, وسائر أهل العلم وقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (جاء رجل إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله أجاهد؟ فقال: ألك أبوان؟ قال: نعم قال: ففيهما فجاهد) وعن ابن عباس عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثله, رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح وفي رواية: (فقال: جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان قال: ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما) وعن أبي سعيد (أن رجلا هاجر إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: هل لك باليمن أحد؟ قال: نعم, أبواي قال: أذنا لك؟ قال: لا قال: فارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد, وإلا فبرهما) رواهن أبو داود ولأن بر الوالدين فرض عين والجهاد فرض كفاية وفرض العين يقدم فأما إن كان أبواه غير مسلمين, فلا إذن لهما وبذلك قال الشافعي وقال الثوري: لا يغزو إلا بإذنهما لعموم الأخبار ولنا أن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانوا يجاهدون وفيهم من له أبوان كافران من غير استئذانهما منهم أبو بكر الصديق, وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة كان مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم بدر وأبوه رئيس المشركين يومئذ, قتل ببدر وأبو عبيدة قتل أباه في الجهاد, فأنزل الله تعالى قال وإذا خوطب بالجهاد فلا إذن لهما, وكذلك كل الفرائض لا طاعة لهما في تركها يعني إذا وجب عليه الجهاد لم يعتبر إذن والديه لأنه صار فرض عين وتركه معصية ولا طاعة لأحد في معصية الله وكذلك كل ما وجب مثل الحج, والصلاة في الجماعة والجمع والسفر للعلم الواجب قال الأوزاعي لا طاعة للوالدين في ترك الفرائض والجمع والحج والقتال لأنها عبادة تعينت عليه, فلم يعتبر إذن الأبوين فيها كالصلاة ولأن الله تعالى قال: وإن خرج في جهاد تطوع بإذنهما, فمنعاه منه بعد سيره وقبل وجوبه فعليه الرجوع لأنه معنى لو وجد في الابتداء منع, فإذا وجد في أثنائه منع كسائر الموانع إلا أن يخاف على نفسه في الرجوع, أو يحدث له عذر من مرض أو ذهاب نفقة أو نحوه فإن أمكنه الإقامة في الطريق, وإلا مضى مع الجيش فإذا حضر الصف تعين عليه بحضوره, ولم يبق لهما إذن وإن كان رجوعهما عن الإذن بعد تعين الجهاد عليه لم يؤثر رجوعهما شيئا وإن كانا كافرين فأسلما ومنعاه, كان ذلك كمنعهما بعد إذنهما سواء وحكم الغريم يأذن في الجهاد ثم يمنع منه حكم الوالد, على ما فصلناه فأما إن حدث للإنسان في نفسه عذر من مرض أو عمى أو عرج فله الانصراف سواء التقى الزحفان, أو لم يلتقيا لأنه لا يمكنه القتال ولا فائدة في مقامه. وإن أذن له والداه في الغزو وشرطا عليه أن لا يقاتل, فحضر القتال تعين عليه وسقط شرطهما كذلك قال الأوزاعي وابن المنذر لأنه صار واجبا عليه, فلم يبق لهما في تركه طاعة ولو خرج بغير إذنهما فحضر القتال ثم بدا له الرجوع لم يجز له ذلك. ومن عليه دين حال أو مؤجل, لم يجز له الخروج إلى الغزو إلا بإذن غريمه إلا أن يترك وفاء أو يقيم به كفيلا, أو يوثقه برهن وبهذا قال الشافعي ورخص مالك في الغزو لمن لا يقدر على قضاء دينه لأنه لا تتوجه المطالبة به ولا حبسه من أجله فلم يمنع من الغزو, كما لو لم يكن عليه دين ولنا أن الجهاد تقصد منه الشهادة التي تفوت بها النفس فيفوت الحق بفواتها وقد جاء (أن رجلا جاء إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله, إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا تكفر عني خطاياي؟ قال: نعم إلا الدين, فإن جبريل قال لي ذلك) رواه مسلم وأما إذا تعين عليه الجهاد فلا إذن لغريمه لأنه تعلق بعينه فكان مقدما على ما في ذمته, كسائر فروض الأعيان ولكن يستحب له أن لا يتعرض لمظان القتل من المبارزة والوقوف في أول المقاتلة, لأن فيه تغريرا بتفويت الحق وإن ترك وفاء أو أقام كفيلا فله الغزو بغير إذن نص عليه أحمد في من ترك وفاء, لأن عبد الله بن حرام أبا جابر بن عبد الله خرج إلى أحد وعليه دين كثير فاستشهد, وقضاه عنه ابنه بعلم النبي ولم يذمه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ذلك ولم ينكر فعله, بل مدحه وقال (ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه وقال لابنه جابر أشعرت أن الله أحيا أباك, وكلمه كفاحا). قال ويقاتل أهل الكتاب والمجوس ولا يدعون لأن الدعوة قد بلغتهم ويدعي عبدة الأوثان قبل أن يحاربوا أما قوله في أهل الكتاب والمجوس: لا يدعون قبل القتال فهو على عمومه لأن الدعوة قد انتشرت وعمت, فلم يبق منهم من لم تبلغه الدعوة إلا نادر بعيد وأما قوله: يدعي عبدة الأوثان قبل أن يحاربوا فليس بعام فإن من بلغته الدعوة منهم لا يدعون وإن وجد منهم من لم تبلغه الدعوة, دعى قبل القتال وكذلك إن وجد من أهل الكتاب من لم تبلغه الدعوة دعوا قبل القتال قال أحمد إن الدعوة قد بلغت وانتشرت, ولكن إن جاز أن يكون قوم خلف الروم وخلف الترك على هذه الصفة لم يجز قتالهم قبل الدعوة وذلك لما روى بريدة قال: كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (إذا بعث أميرا على سرية أو جيش, أمره بتقوى الله في خاصته وبمن معه من المسلمين وقال: إذا لقيت عدوك من المشركين, فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم إلى الإسلام, فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا, فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم, فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم) رواه أبو داود ومسلم وهذا يحتمل أنه كان في بدء الأمر قبل انتشار الدعوة, وظهور الإسلام فأما اليوم فقد انتشرت الدعوة, فاستغنى بذلك عن الدعاء عند القتال قال أحمد كان النبي يدعو إلى الإسلام قبل أن يحارب حتى أظهر الله الدين وعلا الإسلام, ولا أعرف اليوم أحدا يدعى قد بلغت الدعوة كل أحد والروم قد بلغتهم الدعوة, وعلموا ما يراد منهم وإنما كانت الدعوة في أول الإسلام وإن دعا فلا بأس وقد روى ابن عمر رضي الله عنه (أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أغار على بني المصطلق, وهم غارون آمنون وإبلهم تسقى على الماء فقتل المقاتلة وسبي الذرية) متفق عليه, وعن الصعب بن جثامة قال: سمعت (رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسأل عن الديار من ديار المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم, فقال هم منهم) متفق عليه وقال سلمة بن الأكوع: (أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا بكر فغزونا ناسا من المشركين فبيتناهم) رواه أبو داود, ويحتمل أن يجعل الأمر بالدعوة في حديث بريدة على الاستحباب فإنها مستحبة في كل حال وقد روى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (أمر عليا, حين أعطاه الراية يوم خيبر وبعثه إلى قتالهم أن يدعوهم وهم ممن بلغتهم الدعوة) رواه البخاري ودعا خالد بن الوليد طليحة الأسدي حين تنبأ, فلم يرجع فأظهره الله عليه ودعا سلمان أهل فارس فإذا ثبت هذا, فإن كان المدعو من أهل الكتاب أو مجوسا دعاهم إلى الإسلام, فإن أبوا دعاهم إلى إعطاء الجزية فإن أبوا قاتلهم, وإن كانوا من غيرهم دعاهم إلى الإسلام فإن أبوا, قاتلهم ومن قتل قبل الدعاء لم يضمن لأنه لا إيمان له ولا أمان فلم يضمن, كنساء من بلغته الدعوة وصبيانهم. ويقاتل أهل الكتاب والمجوس حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ويقاتل من سواهم من الكفار حتى يسلموا وجملته أن الكفار ثلاثة أقسام قسم أهل كتاب وهم اليهود والنصارى, ومن اتخذ التوراة والإنجيل كتابا كالسامرة والفرنج ونحوهم فهؤلاء تقبل منهم الجزية, ويقرون على دينهم إذا بذلوها لقول الله تعالى: وواجب على الناس إذا جاء العدو, أن ينفروا المقل منهم والمكثر ولا يخرجوا إلى العدو إلا بإذن الأمير, إلا أن يفجأهم عدو غالب يخافون كلبه فلا يمكنهم أن يستأذنوه قوله: المقل منهم والمكثر يعني به ـ والله أعلم ـ الغني والفقير أي مقل من المال ومكثر منه, ومعناه أن النفير يعم جميع الناس ممن كان من أهل القتال حين الحاجة إلى نفيرهم لمجيء العدو إليهم ولا يجوز لأحد التخلف, إلا من يحتاج إلى تخلفه لحفظ المكان والأهل والمال ومن يمنعه الأمير من الخروج أو من لا قدرة له على الخروج أو القتال وذلك لقول الله تعالى: وسئل أحمد عن الإمام إذا غضب على الرجل فقال: اخرج, عليك أن لا تصحبني فنادى بالنفير يكون إذنا له؟ قال: لا إنما قصد له وحده, فلا يصحبه حتى يأذن له قال: وإذا نودي بالصلاة والنفير فإن كان العدو بالبعد إنما جاءهم طليعة للعدو, صلوا ونفروا إليهم وإذا استغاثوا بهم وقد ورد العدو, أغاثوا ونصروا وصلوا على ظهور دوابهم ويومئون والغياث عندي أفضل من صلاة الجماعة والطالب والمطلوب في هذا الموضع يصلي على ظهر دابته وهو يسير أفضل ـ إن شاء الله تعالى ـ وإذا سمع النفير وقد أقيمت الصلاة يصلي, ويخفف ويتم الركوع والسجود ويقرأ بسور قصار وقد نفر من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو جنب ـ يعنى غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب ـ قال: ولا يقطع الصلاة إذا كان فيها وإذا جاء النفير والإمام يخطب يوم الجمعة, لا ترى أن ينفروا؟ قال: ولا تنفر الخيل إلا على حقيقة ولا تنفر على الغلام إذا أبق إذا أنفروهم فلا يكون هلاك الناس بسبب غلام, وإذا نادى الإمام: الصلاة جامعة لأمر يحدث فيشاور فيه لم يتخلف عنه أحد إلا من عذر. ولا يدخل مع المسلمين من النساء إلى أرض العدو إلا الطاعنة في السن, لسقى الماء ومعالجة الجرحى كما فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجملته أنه يكره دخول النساء الشواب أرض العدو لأنهن لسن من أهل القتال, وقلما ينتفع بهن فيه لاستيلاء الخور والجبن عليهن ولا يؤمن ظفر العدو بهن فيستحلون ما حرم الله منهن, وقد روى حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه أنها (خرجت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة خيبر سادسة ست نسوة فبلغ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فبعث إلينا, فجئنا فرأينا منه الغضب فقال: مع من خرجتن؟ فقلنا: يا رسول الله, خرجنا نغزل الشعر ونعين به في سبيل الله ومعنا دواء للجرحى, ونناول السهام ونسقي السويق فقال: قمن حتى إذا فتح الله خيبر أسهم لنا كما أسهم للرجال, فقلت لها: يا جدة ما كان ذلك؟ قالت: تمرا) قيل للأوزاعي: هل كانوا يغزون معهم بالنساء في الصوائف؟ قال: لا إلا بالجواري فأما المرأة الطاعنة في السن وهي الكبيرة, إذا كان فيها نفع مثل سقي الماء ومعالجة الجرحى, فلا بأس به لما روينا من الخبر وكانت أم سليم ونسيبة بنت كعب تغزوان مع النبي, فأما نسيبة فكانت تقاتل وقطعت يدها يوم اليمامة وقالت الربيع: (كنا نغزو مع النبي لسقي الماء ومعالجة الجرحى) وقال أنس كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (يغزو بأم سليم ونسوة معها من الأنصار, يسقين الماء ويداوين الجرحى) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح فإن قيل: فقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخرج معه من تقع عليها القرعة من نسائه وخرج بعائشة مرات قيل: تلك امرأة واحدة, يأخذها لحاجته إليها ويجوز مثل ذلك للأمير عند حاجته ولا يرخص لسائر الرعية لئلا يفضي إلى ما ذكرنا . ينبغي للأمير أن يرفق بجيشه, ويسير بهم سير أضعفهم لئلا يشق عليهم وإن دعت الحاجة إلى الجد في السير جاز له فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (جد في السير جدا شديدا, حين بلغه قول عبد الله بن أبي: ليخرجن الأعز منها الأذل ليشتغل الناس عن الخوض فيه) وإن ابن عمر جد في السير حين استصرخ على صفية امرأته ولا يميل الأمير مع موافقيه في المذهب والنسب على مخالفيه فيهما لئلا يكسر قلوبهم فيخذلونه عند حاجته إليهم ويكثر المشاورة لذوي الرأي من أصحابه فإن الله تعالى قال: وسئل أحمد عن الرجلين يشتريان الفرس بينهما يغزوان عليه, يركب هذا عقبة وهذا عقبة: ما سمعت فيه بشيء وأرجو أن لا يكون به بأس قيل له: أيما أحب إليك؟ يعتزل الرجل في الطعام أو يرافق؟ قال: يرافق هذا أرفق, يتعاونون وإذا كنت وحدك لم يمكنك الطبخ ولا غيره ولا بأس بالنهد, قد تناهد الصالحون وكان الحسن إذا سافر ألقى معهم ويزيد أيضا بعدما يلقى ومعنى النهد, أن يخرج كل واحد من الرفقة شيئا من النفقة يدفعونه إلى رجل ينفق عليهم منه ويأكلون جميعا, وكان الحسن البصري يدفع إلى وكيلهم مثل واحد منهم ثم يعود فيأتي سرا بمثل ذلك يدفعه إليه وقال أحمد: ما أرى أن يغزو ومعه مصحف يعني لا يدخل به أرض العدو لقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو) رواه أبو داود, والأثرم. وإذا غزا الأمير بالناس لم يجز لأحد أن يتعلف ولا يحتطب, ولا يبارز علجا ولا يخرج من العسكر ولا يحدث حدثا, إلا بإذنه يعني لا يخرج من العسكر لتعلف وهو تحصيل العلف للدواب ولا لاحتطاب, ولا غيره إلا بإذن الأمير لقول الله تعالى: إذا خرج كافر يطلب البراز, جاز رميه وقتله لأنه مشرك لا عهد له ولا أمان له فأبيح قتله كغيره, إلا أن تكون العادة جارية بينهم أن من خرج يطلب المبارزة لا يعرض له فيجري ذلك مجرى الشرط وإذا خرج إليه أحد يبارزه بشرط أن لا يعينه عليه سواه وجب الوفاء بشرطه لأن المؤمنين عند شروطهم فإن انهزم المسلم تاركا للقتال, أو مثخنا بجراحته جاز لكل أحد قتاله لأن المسلم إذا صار إلى هذه الحال فقد انقضى قتاله وإن كان المسلم شرط عليه أن لا يقاتل حتى يرجع إلى صفه وفي له بالشرط, إلا أن يترك قتاله أو أثخنه بالجراح فيتبعه ليقتله, أو يجهز عليه فيجوز أن يحولوا بينه وبينه فإن قاتلهم قاتلوه لأنه إذا منعهم إنقاذه فقد نقض أمانه وإن أعان الكفار صاحبهم, فعلى المسلمين أن يعينوا صاحبهم أيضا ويقاتلوا من أعان عليه ولا يقاتلونه لأنه ليس بصنع من جهته, فإن كان قد استنجدهم أو علم منه الرضا بفعلهم صار ناقضا لأمانه, وجاز لهم قتله وذكر الأوزاعي أنه ليس للمسلمين معاونة صاحبهم وإن أثخن بالجراح قيل له: فخاف المسلمون على صاحبهم؟ قال: وإن لأن المبارزة إنما تكون هكذا ولكن لو حجزوا بينهما, وخلوا سبيل العلج قال: فإن أعان العدو صاحبهم فلا بأس أن يعين المسلمون صاحبهم ولنا أن حمزة, وعليا أعانا عبيدة بن الحارث على قتل شيبة بن ربيعة حين أثخن عبيدة وتجوز الخدعة في الحرب للمبارز وغيره لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (الحرب خدعة) وهو حديث حسن صحيح وروى أن عمرو بن عبد ود بارز عليا كرم الله وجهه, فلما أقبل عليه قال علي: ما برزت لأقاتل اثنين فالتفت عمرو فوثب عليه فضربه فقال عمرو: خدعتني فقال على: الحرب خدعة. قال أحمد: إذا غزوا في البحر, فأراد رجل أن يقيم بالساحل يستأذن الوالى الذي هو على جميع المراكب ولا يجزئه أن يستأذن الوالي الذي في مركبه. ومن أعطى شيئا يستعين به في غزاته, فما فضل فهو له فإن لم يعط لغزاة بعينها رد ما فضل في الغزو إذا حمل الرجل على دابة فهي له حين الرجوع من الغزو ) وجملته أن من أعطى شيئا من المال يستعين به في الغزو, لم يخل إما أن يعطى لغزوة بعينها أو في الغزو مطلقا فإن أعطى لغزوة بعينها, فما فضل بعد الغزو فهو له هذا قول عطاء ومجاهد وسعيد بن المسيب وكان ابن عمر إذا أعطى شيئا في الغزو يقول لصاحبه: إذا بلغت وادي القرى فشأنك به ولأنه أعطاه على سبيل المعاونة والنفقة, لا على سبيل الإجارة فكان الفاضل له كما لو وصى أن يحج عنه فلان حجة بألف وإن أعطاه شيئا لينفقه في سبيل الله, أو في الغزو مطلقا ففضل منه فضل أنفقه في غزاة أخرى لأنه أعطاه الجميع لينفقه في جهة قربة, فلزمه إنفاق الجميع فيها كما لو وصى أن يحج عنه بألف ومن أعطى شيئًا ليستعين به في الغزو فقال أحمد: لا يترك لأهله منه شيئًا لأنه ليس يملكه, إلا أن يصير إلى رأس مغزاه فيكون كهيئة ماله فيبعث إلى عياله منه, ولا يتصرف فيه قبل الخروج لئلا يتخلف عن الغزو فلا يكون مستحقا لما أنفقه, إلا أن يشتري منه سلاحا أو آلة الغزو فإن قصد إعطاءه لمن يغزو به, فقال أحمد: لا يتخذ منه سفرة فيها طعام فيطعم منها أحدا لأنه إنما أعطيها لينفقها في جهة مخصوصة وهي الجهاد. وإذا حمل الرجل على دابة, فإذا رجع من الغزو فهي له إلا أن يقول: هي حبيس فلا يجوز أن تباع إلا أن تصير في حال لا تصلح فيه للغزو فتباع وتجعل في حبيس آخر, وكذلك المسجد إذا ضاق بأهله أو كان في مكان لا ينتفع به جاز أن يباع, ويجعل في مكان ينتفع به وكذلك الأضحية إذا أبدلها بخير منها قوله: حمل الرجل على دابة يعني أعطيها ليغزو عليها فإذا غزا عليها, ملكها كما يملك النفقة المدفوعة إليه إلا أن تكون عارية فتكون لصاحبها, أو حبيسا فتكون حبيسا بحاله قال عمر رضي الله عنه: حملت على فرس عتيق في سبيل الله فأضاعه صاحبه الذي كان عنده فأردت أن أشتريه, وظننت أنه بائعه برخص فسألت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: (لا تشتره ولا تعد في صدقتك, وإن أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه) متفق عليه وهذا يدل على أنه ملكه, لولا ذلك ما باعه ويدل على أنه ملكه بعد الغزو لأنه أقامه للبيع بالمدينة ولم يكن ليأخذه من عمر, ثم يقيمه للبيع في الحال فدل على أنه أقامه للبيع بعد غزوه عليه وذكر أحمد نحوا من هذا الكلام وسئل: متى يطيب له الفرس؟ قال: إذا غزا عليه قيل له: فإن العدو جاءنا فخرج على هذا الفرس في الطلب إلى خمسة فراسخ ثم رجع قال: لا حتى يكون غزو قيل له: فحديث ابن عمر: إذا بلغت وادي القرى, فشأنك به قال ابن عمر كان يصنع ذلك في ماله ورأى أنه إنما يستحقه إذا غزا عليه وهذا قول أكثر أهل العلم, منهم سعيد بن المسيب والقاسم ويحيى الأنصاري, ومالك والليث والثوري ونحوه عن الأوزاعي قال ابن المنذر: ولم أعلم أحدا يقول: إن له أن يبيعه في مكانه وكان مالك لا يرى أن ينتفع بثمنه في غير سبيل الله, إلا أن يقول له: شأنك به ما أردت ولنا حديث عمر وليس فيه ما اشترط مالك, فأما إذا قال: هي حبيس فلا يجوز بيعها وقد سبق شرح هذه المسألة: في باب الوقف ويأتي شرح حكم الأضحية في بابها, إن شاء الله.
|